د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية
تبادل المصالح·· أساس أي علاقة·· حتى أن الفلاسفة والمفكرين يرون في
علاقات الحب بين الجنسين، مصلحة·· فكلاهما يرغب في الوصول الى حالة
الإشباع العاطفي ··!! لكن·· هل ينطبق ذلك على العلاقة بين الفن والسياسة؟
بين السلطة في بلد ما، والمشاهير من النجوم والنجمات··؟ ! الواقع يقول إن
هناك تزاوجا بين الطرفين·· فالسلطة تحتاج دائما إلى من يسهل لها الوصول
بأفكارها للناس·· ليكون قناة تمرر من خلالها سياساتها ومشروعاتها·· كما أن
الفنان يحتاج أيضا لمن يسانده·· ويوفر له الأرضية الصلبة التي يستطيع عن
طريقها تدعيم نفسه·· والانطلاق الى عالم أرحب من الشهرة والمجد، تحت غطاء
آمن · هكذا يمتزج الثراء والشهرة في جانب مع النفوذ والسلطة في جانب آخر··
داخل إطار علاقة تكاملية تحقق لكليهما المصلحة والهدف·· ذلك ما تؤيده
أحداث التاريخ في الشرق والغرب·· تلك الأحداث التي تؤكد حتمية هذه العلاقة
!! لا شك أن فتح ملف هذه القضية يكشف عن حقائق غائبة عن الكثيرين من خلال
استقراء أحداث وتفاعلات الوسط الفني بالسلطة منذ عصور مضت نستطيع أن نخرج
بنتائج أكثر وضوحا عن شكل تلك العلاقة الخاصة جدا ·
إسمــهان ضابـطة مخــــابرات
من هذه الأسماء المطربة السورية >أسمهان< أو >آمال فهد
الأطرش<، شقيقة المطرب >فريد الأطرش<، فرغم حياتها القصيرة ـ حيث
ماتت في سن الـ23 ـ إلا أن مشوارها كان مليئا بالأحداث المثيرة·· يؤكد
المقربون منها أنها لم تكن تحب الفن بقدر عشقها لكونها أميرة·· وربما هذا
ما استهواها في اللعب مع الكبار خلف كواليس السياسة·· لكنها لم تكن تتقن
أصول اللعبة·· فدفعت حياتها ثمنا لحفنة جنيهات استرلينية·· وكان من أبرز
أدوارها السياسية ما قامت به أثناء الحرب العالمية الثانية لتحقيق استقلال
بلادها·· وتعرضت لموت محقق عشرات المرات·· وقيل إنها كانت ضابطة في
المخابرات البريطانية·· وقد قام قائد المخابرات بتجنيدها، حيث طلب منها
السفر الى الدروز بصفتها زوجة الأمير >حسن الأطرش< وزير دفاع سوريا
للتحدث في أمور تتعلق بعدم اعتداء الدروز على الجيش البريطاني أثناء دخوله
البلاد·· خوفا من اجتياح جيوش المحور للبلاد ·
برعت >أسمهان< في تقديم المعلومات للاستخبارات·· حتى حكم عليها
بالإعدام من قبل الألمان لما ألحقته بهم من أضرار·· فانتقلت للعمل في
فلسطين وكان يرافقها بصفة دائمة ضابط بريطاني·· وحينما أصبح الألمان على
أبواب مصر خشيت بريطانيا وقوعها في الأسر، فقرروا التخلص منها خشية أن
تفضح ما سمعته وشاهدته·· فماتت أسمهان غرقا !!
وكانت >أسمهان< ماهرة في التخفي، وقد شكلت حرسا خاصا بزي خاص من
الدروز شاركوا في حماية الانجليز·· وكانت تحصل على أموال كثيرة نظير هذه
الخدمات·· لكن نظرا لبذخها الشديد رفض الانجليز الإنفاق عليها·· فحاولت
الاتصال بالألمان لكنها أعيدت من على نقطة الحدود، وقد ماتت أسمهان غرقا
عام 4491 إثر حادث بسيارتها في طريق القاهرة ـ الاسكندرية الزراعي، بعد
خلاف مع المنتج والممثل أحمد سالم ـ خامس أزواجها ـ وبعد شهرين من موتها
أصر شقيقها >فريد الأطرش< على فتح ملف الحادث·· ولكنه فاجأ الجميع
بإعلانه في الصحف أن أسمهان لم تقتل·· وبعد 26 عاما على هذه التراجيديا
مازال السؤال المحيّر يطرح نفسه·· من قتل اسمهان؟ قد يكونون الألمان
لاتصالها بالإنجليز·· وقد يكونون الانجليز خشية فضح أسرارهم·· أو بسبب
صراعها مع الملكة نازلي على حب رئيس الديوان الملكي المصري آنذاك >أحمد
باشا حسنين <·
ويقول الكاتب الراحل >مصطفى أمين< عن أسمهان: إنها كانت ذات شهية
غريبة·· كانت تفطر في الصباح طبق فول وفي المساء تأكل الكافيار، تشرب
الشمبانيا وتنفق ببذخ فتبيع أزياءها لتسديد ديونها· وقد قالت عرافة
لوالدتها ـ حينما كانت أسمهان طفلة صغيرة ـ إن ابنتها ستموت غرقا·· ونتيجة
لهذا أحاطت الأسرة أسمهان بحالة من التشاؤم والخوف من الموت·· وذكرت
أخصائية في الصحة النفسية تدعى >سوزان سعد رزق< في تحليلها
لشخصيتها، أن أسمهان شخصية مليئة بالمتناقضات نتيجة الانقلاب المفاجئ الذي
حدث لأسرتها وانتقالها من حياة الترف الى الفقر، وانفصال الوالد عن
الأسرة·· كل هذه العوامل جعلت أسمهان انبساطية المزاج تحب الظهور والشهرة،
والاتصال بعلية القوم ·
جـاسـوسة في فــراش المـــلك
أما >كاميليا< أو >ليليان ليفي كوهين<·· غريمة >أسمهان<
في عشق >أحمد سالم<·· كانت فنانة وراقصة استعراضية تنبّأ لها الجميع
بمستقبل زاهر مع النجومية·· وفي الوقت نفسه اتهمت بالتجسس لصالح اسرائيل،
والحكاية تقول إن الملك فاروق ـ آخر ملوك مصر قبل الثورة ـ أعجب بها أثناء
مرافقتها لأحمد سالم في إحدى الحفلات الخيرية، وأصبحت محظية له وذلك عام
1946 ، مما جعل الوكالة اليهودية تنتبه لكاميليا وعلاقتها بفاروق·· فحاولت
تجنيدها !!
وقد وصفها الكاتب >حنفي المحلاوي< في كتابه >فنانات في الشارع
السياسي< بأنها عميلة من الدرجة الممتازة للمخابرات الإسرائيلية، ولم
يكن ارتباطها بالموساد عاطفيا ولكن باعتبارها يهودية، وقد لعبت دورا خطيرا
منذ عام 1948 حتى 1950 ، ولو امتد بها العمر لهاجرت الى إسرائيل·· كانت
كاميليا تعبد المال وتصلّي للذهب·· واستطاعت خلال خمس سنوات أن تجمع ثروة
هائلة خلفتها وراءها·· وكانت في آخر أيامها تعاني من مرض السل بسبب
إفراطها في تناول الخمور والتدخين·· ماتت وعمرها 12 عاما وكان ذلك عام
1950 محترقة داخل طائرة·· وقد تناولت السينما حياتها من خلال فيلم
>حافية على جسر الذهب <·
استغلت كاميليا علاقتها بالملك·· وكانت تمد اسرائيل بالأسرار التي كان
يبوح بها فاروق ·· وحينما اتهمتها الصحافة بالتجسس لصالح اسرائيل، أعلنت
أنها لم تسافر لإسرائيل أو القدس·· وقامت بجمع تبرعات للجيش المصري
المحارب في فلسطين·· ولم يكن اتهامها آنذاك مبنيا على دليل مادي وإنما على
أساس تصورات عامة·· منها كونها يهودية، وبراعتها في الاتصال بكبار
الشخصيات، والتصاقها بالملك، وكذلك ثراؤها الفاحش ·
يقول الكاتب >محمود متولي<: إنها ظلت طوال 03 سنوات تحصل على
معلومات عن سير حرب فلسطين من >فاروق<·· وكانت في نفس الوقت عضو في
شبكة للإساءة بسمعة العرب·· ونظير تلك الخدمات كانت كاميليا تطمح في
الوصول للسينما العالمية·· ونجحت الوكالة اليهودية في الاتفاق لها على
بطولة فيلم عالمي·· على أن تظل بانجلترا·· ولكن عادت الوكالة تطلب منها
السفر لمصر تمهيدا للاشتراك في عملية >صفقة الأسلحة الفاسدة< والتي
اشترتها مصر عام 1948 وكانت سببا مباشرا في هزيمة الجيش المصري في حرب
فلسطين 1948 · وظلت كاميليا على علاقتها بالموساد، وبعد الحرب وتأسيس دولة
اسرائيل انضمت للجمعيات الخيرية لجمع التبرعات·· وأكد البعض أن موتها كان
مدبرا من قبل الحرس الجديد للملك ـ سواء بعلمه أو بدون علمه ـ بينما أكد
آخرون أن مقتلها كان بتخطيط أجنبي ·
ليلى مــراد تجمـــع تـــبرعات للجيـــش الصهيـــوني
في عام 1952 اتهمت المطربة الشهيرة >ليلى مراد< بالتجسس لصالح
الموساد واستغلال علاقتها بالملك لإمداد المخابرات الاسرائيلية
بالمعلومات، وذلك بعد نشر خبر تسرّب الى الصحافة مفاده أن >ليلى
مراد< زارت اسرائيل وجمعت تبرعات تقدر بـ( 50 ألف جنيه) لتمويل الجيش
الصهيوني، وشجع على انتشار الخبر أنها يهودية الأصل·· وأحدث الخبر ردود
فعل غاضبة منعت على إثرها أغاني ليلى مراد وأفلامها في سوريا، مما جعلها
تقدم على إنتاج فيلم (الحياة حب) الذي تدور أحداثه حول ارتباطها وتعاطفها
مع الجيش المصري لتحرير فلسطين·· وكان الفيلم ضعيف المستوى ولم يضف
لتاريخها شيئا·· ونتيجة الحملة الشعواء ضدها تركت >ليلى< الأضواء
عام 1955 ، وأكدت وسائل الاعلام ساعتها أن دوائر الأمن السوري وراء تلك
الشائعة لمنع أفلامها في سوريا·· وقد وصل تأثير الشائعات لدرجة أن السلطات
المصرية عزمت على اعتقالها ومصادرة أموالها·· وبعد تحريات قام بها مجلس
قيادة الثورة تأكدت براءتها·· وتوسط >جمال عبد الناصر< لدى سوريا
عام 1958 لرفع الحظر عن أغانيها وأفلامها ·
ويذكر أن >ليلى مراد< عقب سماعها الخبر أغمي عليها وقالت: >الله
يجازيك يا أنور< ـ تقصد أنور وجدي ـ، وعقدت ليلى مراد مؤتمرا صحفيا نفت
فيه جمع تبرعات لاسرائيل·· وبعد 74 عاما استطاع أحد الباحثين تجميع أدلة
براءتها·· وهناك رسالة من >أنور وجدي< قال فيه إنه لم يطلق ليلى
مراد بسبب خلاف ديني لأنها أشهرت إسلامها، أو بسبب خلاف سياسي أو ميول
وطنية·· بل كان الطلاق لأسباب عاطفية·· وكانت الشبهات تدور حول تورط
>أنور وجدي< في هذه الشائعة انتقاما منها بعد طلاقها منه ·
راقصــة في بــــلاط هتـــلر
تتفق الأسانيد المختلفة على أن >بديعة مصباني< أول ممثلة وراقصة
عربية ـ قد رحلت من لبنان الى مصر في مطلع القرن العشرين لتضع الكازينو
الخاص بها وجميع العاملين به تحت تصرف القوات البريطانية طوال مدة الحرب
العالمية الثانية· ومن الطريف أيضا، أن كازينو >بديعة< قدم ثلاث
راقصات أصبح لهن ارتباطات سياسية بشكل أو بآخر ·
أولهن >حكمت فهمي< التي قامت قبل نشوب الحرب العالمية برحلة
لإيطاليا وألمانيا والمجر·· ورقصت أمام هتلر وموسوليني·· وتعرفت على شاب
ألماني أمّه مصريه، اسمه >حسين جعفر< وكان جاسوسا لألمانيا، فتعرف
بدوره على >أنور السادات< والفريق >عزيز المصري<، وعرفت عوامة
>حكمت فهمي< اجتماعات هؤلاء الذين كانوا يرغبون في الاتصال بالألمان
من أجل طرد الانجليز من مصر·· إلا أنهم وقعوا في يد المخابرات البريطانية،
فصدر حكم ضد الراقصة >حكمت فهمي< بالسجن لمدة 30 شهرا·· وطرد
السادات من الخدمة العسكرية ·
ملــــكة لليــلة واحــــدة
أما الراقصة الثانية فهي >سامية جمال<، واسمها الحقيقي >زينب
خليل<·· وضعها النخاس الإيطالي >أنطوان بوللي< في طريق الملك
فاروق·· فبدأت ترقص له·· وقد ذكر >مصطفى أمين< في كتابه >ليالي
فاروق< بعنوان >ملكة لليلة واحدة< أن سامية جمال أمضت ليلة في
غرفة الملك واستيقظت فلم تجده·· فقد اختفى دون أن يودعها·· بعد أن أمضى
الساعات وهو راكع تحت قدميها يبثها غرامه·· فبحثت عنه في كل مكان قد تجده
فيه ولكنه كان يتجاهلها·· وبسبب حبها لفاروق أنهت علاقتها بفريد الأطرش··
وهي الأخرى اتهمت بزيارة اسرائيل، فمثلت فيلمها عن فلسطين لدرء هذه التهمة
·
..